لم ينطلق الشيخ شخبوط بن سلطان في مواكبة التغيرات الاقتصادية والسياسية التي طرأت على المنطقة، ولم يتمكن من تلبية طموحات أهله ومواطنيه. رغم اكتشاف النفط قبل فترة طويلة، ثم استغلاله اقتصادياً وبداية تصديره في عهده، إلا أن الشيخ شخبوط ظل متوجساً ورافضاً لأي تغيير، فساد الحياة الاقتصادية والاجتماعية جوٌّ من الجمود والشظف، الأمر الذي اضطر بعض أبناء الإمارات للهجرة إلى الدول النفطية المجاورة طلباً للعيش الكريم، وفي المقابل تمكّن الشيخ زايد من إحداث نقلة نوعية مشهود لها في قرى العين التي تولى حكمها وإدارة شؤونها لعقدين من الزمان 1948-1966م مقارنة بالفترة 1946-1966م التي تولى خلالها شقيقه الشيخ شخبوط حكم مشيخة ابوظبي، وأصبح التغيير حتمياً وكان البديل جاهزاً، فكان التحول الهام الذي يعتبر معلماً بارزاً في التحول السياسي للإمارات برضى وإيعازٍ من الأهل والقبيلة، وبمعاونة ومباركة الجهات الرسمية ذات النفوذ السياسي.
تابع الشيخ زايد نهج العدل والشورى، وحقق نجاحاً باهراً في مجالات الري والزراعة والتنمية والإعمار، وامتدت جهوده لتشمل كل مناطق إمارة ابوظبي، وبعض أقطار الوطن العرب وانصب جل جهده على الاهتمام بالإنسان وبالاحتياجات المباشرة التي تمس حياة مواطنيه الذين توفر لهم سبل العيش الكريم، ولقد صرح صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في مارس 1968م بأن الأولويات التي تتصدر اهتماماته هي الخدمات الخاصة بالعلاج والتعليم والسكن. وقد تمكن بعون الله وفضل سياسته وقدراته الشخصية من تحقيق نجاح باهر في توفير مستوى من الخدمات لم يعرفها أهل الإمارات من قبل، ولولا التحولات الاقتصادية الهائلة التي تحققت أثناء تلك المرحلة، والمشروعات التنموية التي تم إنجازها أو البدء بها، لما توفرت تلك الخدمات لأهل الإمارات، وخاصة أهل إمارة ابوظبي. وبعد أربع سنوات تقريباً من تولي الشيخ زايد شؤون الحكم، بلغ معدل النمو عام 1970م ثلاثة أضعاف المعدل الذي حققته دولة الكويت التي كانت مضرب المثل في رخائها ونموها الأسطوري.
كانت الخطوات والإجراءات التي مهدت القيام الاتحاد من أهم الإنجازات السياسية التي تحققت تحت قيادة الشيخ زايد خلال تلك الفترة، فعندما أعلنت بريطانيا في 16/1/1968م قرارها بالانسحاب من مناطق نفوذها شرق السويس، بما في ذلك الإمارات بادر صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مباشرة بالاتصال بصاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، وأثمرت المبادرة إعلان الشيخ زايد والشيخ راشد عن اتفاقهما على الاتحاد، ودعوتهما لباقي الإمارات بالإنضمام إلى ركبه. في 18/2/1968م وقد مضى علي إعلان بريطانيا شهر واحد.
تشير الدراسات إلى أن ثلاث السنوات التي أعقبت بريطانيا الانسحاب من مناطق نفوذها شهدت اجتماعات ومناقشات مكثفة هدفت إلى قيام الدولة وسد الفراغ الناجم عن انسحاب بريطانيا، وسحب حماتها لتلك المنطقة، وكان ذلك الأمر هو النشاط السياسي والهم الوطني الأول الذي شغل الساحة السياسية في الإمارات والمشيخات الخليجية الأخرى، والذي استحوذ على تفكير صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وصاحب السمو الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وباقي الحكام. ولم تكن المفاوضات الأولية بين الشيخ زايد والشيخ راشد أمراً سهلاً رغم قناعتهما بمبدأ الوحدة وضرورة قيام الدولة الاتحادية، ورغم انتماء كليهما لقبيلة بني ياس، فقد كان هناك فروق واضحة في شخصية كل منهما، وفي أسلوب حياتهما، وفي الوسط الاجتماعي الذي نشأ فيه كل منهما، ولكنهما اتصفا بالحكمة والصبر واحترام الرأي الآخر، وتمكنا بذلك من إرساء الدعائم الأولي للاتحاد.
كادت بعض الصعوبات ان تعصف بالاتحاد حين أدت الخلافات التي طفت على السطح خلال عام 1969م إلى تأجيل اجتماعات المجلس الأعلى للاتحاد الذي بدأ يتشكل، ويباشر أعماله بصورة أولية منذ تلك الفترة، ولكن الحكمة والصبر، والبذل والعطاء والكرم، وغيرها من الصفات التي تحلى بها صاحب السمو الشيخ زايد وصحبه أنقذت الاتحاد وعبرت بتلك الجهود إلى بر الأمان، وتركز تلك الصعوبات حول قضايا جوهرة من بينها عضوية الإتحاد، ودستوره، وعاصمته، ومجلسه ولكن أمكن – بفضل الله وحكمة القادة – تذليلها والتغلب عليها.